كيفية اكتشاف المجلات المفترسة؟
صبحت المجلات المفترسة من أبرز التحديات التي تواجه الباحثين في عصر النشر الإلكتروني، إذ تستغل هذه الجهات حاجة الأكاديميين للنشر السريع وتقدّم أوعية غير موثوقة تفتقر إلى التحكيم العلمي الحقيقي. ومن هنا يبرز التساؤل: كيفية اكتشاف المجلات المفترسة؟، حيث يتطلب الأمر وعيًا نقديًا بمعايير النشر الأكاديمي وطرق التحقق من مصداقية المجلات. وتشمل أبرز العلامات التحذيرية غياب نظام التحكيم، والمطالبة برسوم مرتفعة دون مراجعة علمية، وعدم فهرسة المجلة في قواعد البيانات الموثوقة مثل Scopus أو Web of Science. إن معرفة هذه المؤشرات تساعد الباحث على تجنب الوقوع في فخ النشر الزائف، وضمان نشر أعماله في أوعية علمية معترف بها تدعم مكانته الأكاديمية.
ما المقصود بالمجلات المفترسة؟
هي مجلات تدّعي أنها علمية ومحكمة، لكنها في الواقع تفتقر إلى المعايير الأكاديمية والأخلاقية للنشر، وتركز على تحصيل الرسوم المالية من الباحثين دون إجراء تحكيم علمي حقيقي. وغالبًا ما تستخدم هذه المجلات أسماء مضللة أو شعارات مشابهة لمجلات مرموقة لجذب الباحثين، كما تنشر الأبحاث بسرعة دون مراجعة دقيقة أو تدقيق لغوي ومنهجي. وتمثل المجلات المفترسة خطرًا على مصداقية البحث العلمي، لأنها تضعف جودة النشر الأكاديمي وتشوّه صورة الباحثين الذين يتعاملون معها.
ما الفرق بين المجلات العلمية الموثوقة والمفترسة؟
يمثل التمييز بين المجلات العلمية الموثوقة والمفترسة خطوة حاسمة لكل باحث يسعى إلى نشر عمله بطريقة آمنة وذات قيمة علمية، فاختيار المجلة الخاطئة قد يُفقد البحث مصداقيته وجهد الباحث قيمته الأكاديمية، ويمكن توضيح الفرق من حيث:
1- المصداقية العلمية:
المجلات الموثوقة تخضع لتحكيم علمي دقيق من خبراء مختصين قبل النشر، بينما المجلات المفترسة تنشر الأبحاث دون مراجعة حقيقية أو بمعايير سطحية بغرض الربح السريع.
2- الفهرسة والاعتماد:
المجلات الموثوقة تكون مدرجة في قواعد بيانات عالمية مثل Scopus وWeb of Science وPubMed، أما المفترسة فغالبًا ما تدّعي الفهرسة دون إثبات رسمي أو تستخدم شعارات مضللة.
3- موقع النشر وهيئة التحرير:
المجلات الموثوقة تُدار من مؤسسات أكاديمية معروفة وهيئات تحرير تضم باحثين ذوي سجل علمي، بينما المفترسة تضع أسماء وهمية أو غير متخصصة ضمن هيئة التحرير.
4- إجراءات النشر والتحكيم:
المجلات الموثوقة تحتاج أسابيع أو أشهر لمراجعة البحث وتحكيمه، أما المفترسة فتعِد الباحث بالقبول خلال أيام قليلة دون أي مراجعة حقيقية للمحتوى.
5- من حيث الرسوم المالية:
المجلات الموثوقة تفرض رسومًا محددة وواضحة مخصصة لتكاليف النشر المفتوح (Open Access)، أما المفترسة فتطالب برسوم مرتفعة بشكل غير مبرر بعد القبول أو دون ذكرها مسبقًا.
6- من حيث نوعية المقالات المنشورة:
المجلات الموثوقة تنشر أبحاثًا ذات محتوى علمي أصيل ومتقيد بالمنهجية الأكاديمية، بينما تنشر المفترسة أي محتوى يُرسل إليها بغض النظر عن مستواه أو أصالته.
7- من حيث السمعة الأكاديمية:
المجلات الموثوقة تُوصي بها الجامعات والمراكز البحثية الكبرى، بينما تحذر المؤسسات الأكاديمية من المفترسة وتمنع الاستشهاد بها.
8- من حيث التواصل الرسمي:
المجلات الموثوقة تستخدم نطاقات إلكترونية جامعية أو تابعة للناشرين المعروفين (مثل Elsevier أو Springer)، أما المفترسة فتستخدم بريدًا عامًا مثل Gmail أو مواقع بدائية التصميم.
التمييز بين المجلات الموثوقة والمفترسة يعتمد على الفحص الدقيق للفهرسة، ومصداقية التحكيم، وشفافية النشر. وكل باحث مطالب بالتأكد من أن المجلة التي يختارها تضيف لقيمته العلمية لا تنتقص منها.
ما أبرز سمات المجلات المفترسة التي يسهل ملاحظتها؟
تمييز المجلات المفترسة لم يعد أمرًا صعبًا إذا امتلك الباحث عينًا نقدية وحرصًا على فحص التفاصيل، فهذه المجلات تترك علامات واضحة تكشف ضعفها وممارساتها غير الأكاديمية.
- القبول السريع وغير المنطقي للأبحاث، إذ تعلن بعض المجلات المفترسة عن قبول الورقة خلال أيام قليلة دون تحكيم فعلي، وهو أمر يخالف آليات النشر العلمي الرصين الذي يتطلب مراجعة معمقة.
- غياب التحكيم العلمي الحقيقي، حيث لا تُرسل الأوراق إلى محكّمين متخصصين، بل تُقبل بمجرد الدفع، أو تُرسل تقارير تحكيم سطحية وغير دقيقة.
- رسوم نشر مبالغ فيها وغير مبررة، فغالبًا تطلب المجلات المفترسة مبالغ مالية مرتفعة مقابل النشر، دون أن توضح آلية استخدامها أو تفاصيل نظام الوصول المفتوح.
- استخدام بريد إلكتروني غير مؤسسي مثل Gmail أو Yahoo بدلًا من نطاق رسمي تابع لجامعة أو ناشر معتمد، مما يشير إلى غياب المهنية والاعتماد المؤسسي.
- موقع إلكتروني ضعيف أو مضلل، يحتوي على أخطاء لغوية، أو روابط معطلة، أو تصميم بسيط يُظهر قلة الاحترافية، رغم محاولتهم تقليد المجلات الشهيرة في الشكل العام
- .عدم وجود رقم تعريف دولي واضح (ISSN) أو فهرسة حقيقية في قواعد بيانات مثل Scopus أو Web of Science، مع استخدام شعارات مزيفة أو روابط مضللة تدّعي الفهرسة.
- هيئة تحرير غير معروفة أو بأسماء وهمية، فغالبًا تُدرج أسماء أساتذة دون علمهم، أو تضم أشخاصًا بلا إنتاج علمي موثوق.
- كثرة الدعوات العشوائية للنشر عبر البريد الإلكتروني، إذ تُرسل هذه المجلات رسائل جماعية بصياغة عامة لأي باحث، دون تخصيص أو إشارة لمجال بحثه الفعلي.
- نطاقات متعددة بأسماء متقاربة، حيث تمتلك المجلات المفترسة عدة مواقع أو روابط مختلفة لنفس العنوان لتضليل الباحث وإظهارها كمؤسسات متعددة.
- غياب المعلومات الأساسية عن المجلة مثل مدة التحكيم، سياسة النشر، أو عنوان المقر، وهي مؤشرات على انعدام الشفافية.
المجلات المفترسة يمكن اكتشافها بسهولة من خلال مراقبة مؤشرات القبول السريع، غياب التحكيم، الرسوم المبالغ فيها، والموقع غير المهني. والباحث الواعي لا يكتفي بالمظهر الخارجي، بل يتحقق من الاعتماد والفهرسة قبل اتخاذ قرار النشر.
كيفية فحص موقع المجلة الإلكتروني وتقييم مصداقيته؟
يعد فحص الموقع الإلكتروني للمجلة أول وأبسط خطوة يمكن من خلالها التحقق من مدى مصداقيتها، إذ تكشف التفاصيل التقنية والمحتوى المنشور عن طبيعة المجلة، وما إذا كانت علمية موثوقة أم مفترسة تجارية، وذلك من خلال:
1- تحقق من النطاق الإلكتروني (Domain):
فالمجلات الموثوقة تمتلك نطاقًا رسميًا تابعًا لدار نشر أكاديمية أو جامعة معروفة مثل (springer.com – elsevier.com – wiley.com)، بينما المجلات المفترسة تستخدم نطاقات عامة مثل .org أو .info أو .net دون انتماء مؤسسي واضح.
2- راجع جودة تصميم الموقع ولغته:
فالموقع الاحترافي يُظهر تنظيمًا عاليًا، خالٍ من الأخطاء اللغوية أو الروابط المكسورة، بينما تحتوي المواقع المفترسة على نصوص ركيكة وصور غير واضحة وتصميم بدائي.
3- افحص صفحة عن المجلة (About Journal):
إذ يجب أن تتضمن بوضوح أهداف المجلة، نطاقها البحثي، سياسات التحكيم، وفترة المراجعة. غياب هذه المعلومات أو عرضها بصيغة عامة علامة على ضعف الموثوقية.
4- تحقق من هيئة التحرير (Editorial Board):
فالمجلات الموثوقة تنشر أسماء المحكمين مع انتماءاتهم الجامعية وروابط لملفاتهم الأكاديمية (مثل ORCID أو Google Scholar)، بينما تستخدم المجلات المفترسة أسماء غامضة أو غير قابلة للتحقق.
5- تأكد من الفهرسة والاعتماد:
وذلك عبر الروابط المباشرة من الموقع إلى قواعد البيانات العالمية (Scopus، Web of Science، DOAJ). احذر من الشعارات المزيفة التي لا تقود إلى روابط رسمية.
6- راجع الأرشيف والمقالات المنشورة:
فإذا لاحظت تنوعًا غير منطقي في التخصصات (مثلاً نشر بحث في الطب بجانب آخر في الأدب)، أو ضعف جودة الأوراق المنشورة، فهي إشارة على أن المجلة غير متخصصة.
7- اختبر شفافية المعلومات المالية:
فالمجلة الموثوقة توضح رسوم النشر (إن وجدت) مع تبريرها، بينما المفترسة تخفي المبالغ حتى بعد القبول أو تطلب الدفع الفوري عبر البريد الإلكتروني.
8- افحص وسائل الاتصال الرسمية:
فالمجلات الموثوقة توفر بريدًا مؤسسيًا وعنوانًا جغرافيًا واضحًا، أما المفترسة فتستخدم بريدًا عامًا (Gmail، Yahoo) أو عناوين غير قابلة للتحقق.
9- تحقق من رقم ISSN ورقم DOI:
فغيابه أو تزويره مؤشر على أن المجلة غير معترف بها. يمكن التأكد من رقم ISSN عبر موقع قاعدة بيانات المجلات الرسمية https://portal.issn.org.
10- اختبر اسم المجلة في قوائم التحذير الرسمية:
مثل قائمة Beall’s List أو موقع Think. Check. Submit، فهذه المنصات تُحدّث باستمرار أسماء المجلات المشبوهة والمفترسة.
فحص موقع المجلة الإلكتروني بدقة يساعد الباحث على تجنّب المجلات المفترسة، فالموثوقية تُقاس من خلال الشفافية، الاحترافية، الفهرسة، وجودة المحتوى المنشور، لا بمجرد المظهر الخارجي أو سرعة النشر.
أمثلة واقعية على مجلات مفترسة وأثرها على الباحثين:
انتشرت في السنوات الأخيرة المجلات المفترسة التي تستغل حاجة الباحثين للنشر الأكاديمي، وتقوم بجذبهم بوعود كاذبة بالقبول السريع دون تحكيم حقيقي. وقد أثرت هذه الظاهرة سلبًا على جودة النشر العلمي وسمعة الباحثين والمؤسسات الأكاديمية على حد سواء.
- من الأمثلة الواقعية مجموعة OMICS الدولية، التي أدرجتها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية ضمن القوائم السوداء بعد ثبوت ممارساتها غير الأخلاقية مثل فرض رسوم خفية ونشر أبحاث دون مراجعة علمية.
- كذلك تُعد مجلات WASET من النماذج السيئة السمعة، إذ عُرفت بتنظيم مؤتمرات زائفة ونشر أبحاث ضعيفة الجودة مقابل مبالغ مالية مرتفعة.
- وتُعد مجموعة SCIENCEDOMAIN وMedCrave من الأمثلة الأخرى، حيث استغلت أسماء مشابهة لمجلات علمية مرموقة لخداع الباحثين ودفعهم للنشر فيها.
- أدت هذه الممارسات إلى تشويه السمعة الأكاديمية لكثير من الباحثين الذين نُشرت أعمالهم في تلك المجلات، إذ تُرفض أبحاثهم لاحقًا في المؤسسات العلمية المرموقة.
- كما تسبب النشر في مجلات مفترسة في إهدار الوقت والمال، إضافة إلى فقدان الحقوق الفكرية للباحث، إذ لا يمكن سحب أو إعادة نشر البحث في مجلة معترف بها بعد وقوع الضرر.
وتنعكس آثار هذه المجلات أيضًا على سمعة الجامعات، حيث يؤدي اعتماد أبحاث منشورة في منصات مفترسة إلى انخفاض تصنيفها الأكاديمي وتراجع مصداقية برامجها.
الخاتمة:
ي الختام، يتضح أن إدراك كيفية اكتشاف المجلات المفترسة يمثل ضرورة ملحّة لكل باحث يسعى إلى الحفاظ على مصداقيته الأكاديمية وجودة نتاجه العلمي. فتمييز هذه المجلات يتطلب وعيًا بمعايير النشر الرصين، مثل وجود نظام تحكيم حقيقي، وفهرسة المجلة في قواعد البيانات المعترف بها، وشفافية إجراءات النشر. إن التحقق المسبق من مصداقية المجلة يحمي الباحث من استغلال الجهات المشبوهة، ويضمن أن ينشر عمله في وعاء علمي موثوق يسهم في تطوير المعرفة. فالنشر المسؤول لا يُقاس بسرعة القبول، بل بسلامة الإجراءات وجودة المحتوى العلمي.