📁 المقالات الحديثة

صياغة مشكلة البحث بشكل احترافي في 5 خطوات

صياغة مشكلة البحث

كيفية صياغة مشكلة البحث بشكل أحترافي 

تُعدّ مشكلة البحث العلمي جوهر العملية البحثية وقلبها النابض، فهي التي تُوجّه الباحث وتُحدّد المسار الذي يجب أن يسلكه في دراسته. كما أنها تُعبّر عن التساؤل الأساسي الذي يسعى الباحث للإجابة عنه، وتُجسّد الحاجة الفعلية لإجراء الدراسة. إن صياغة مشكلة البحث بشكل احترافي تتطلب فهماً عميقاً لطبيعة المجال العلمي، ومهارة في تحديد الفجوات البحثية، وقدرة على التعبير الواضح والدقيق. في هذا المقال، سنقدّم دليلاً شاملاً لطلاب الدراسات العليا والباحثين حول كيفية صياغة مشكلة البحث بدءًا من تعريفها وحتى عرض أمثلة عملية.


تعريف مشكلة البحث

مشكلة البحث هي عبارة عن تساؤل أو قضية محددة يلاحظها الباحث ضمن نطاق تخصّصه العلمي، وتستدعي الدراسة والتحليل لإيجاد تفسير أو حلّ لها. وهي تُشكّل المحور الذي تدور حوله جميع عناصر البحث العلمي، بما في ذلك الأهداف، الفرضيات، الأسئلة، الأدوات، والمنهجية.

تُعبر مشكلة البحث عن حاجة معرفية قائمة أو فجوة في الأدبيات العلمية، وتُعدّ الدافع الأساسي لإجراء البحث. كما أنّ وضوح المشكلة وتحديدها بدقة يؤثران بشكل مباشر على جودة البحث ونتائجه.


مصادر يستغلها الباحث في متن بحثه وطرح المشكلة البحثية

قبل الشروع في صياغة مشكلة البحث، من الضروري أن يعتمد الباحث على مجموعة من المصادر التي تساعده في اكتشاف الفجوات البحثية وصياغة المشكلة بدقة. من أهم هذه المصادر:

الدراسات السابقة

تشكل الدراسات السابقة أهم مصدر لبناء مشكلة البحث. فهي تمكّن الباحث من التعرف على ما تم تناوله سابقًا، وما هي القضايا التي ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدراسة. كما تتيح له تجنّب التكرار والتركيز على الجديد والمبتكر.

التقارير والإحصاءات الرسمية

توفّر الإحصاءات الحديثة والتقارير الصادرة عن المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية صورة دقيقة عن الظواهر والمشكلات المجتمعية، ما يساعد في استنتاج مشكلات بحثية واقعية وملحّة.

الخبرة العملية والملاحظة الميدانية

في بعض التخصصات، تكون الخبرة الشخصية والملاحظة المباشرة مصدراً مهمًا في تحديد المشكلات. فقد يلاحظ الباحث من خلال تجربته المهنية قضية تستحق البحث والدراسة.

المؤتمرات والندوات العلمية

تُعدّ المؤتمرات والندوات ملتقى للباحثين لمناقشة القضايا الحديثة في مجالات تخصصهم. والاستماع إلى ما يُعرض فيها يُمكّن الباحث من استلهام أفكار لمشكلات بحثية.

الحوار مع الخبراء والمشرفين

يساعد التواصل مع الأساتذة والخبراء في التخصص على توجيه الباحث إلى قضايا بحثية مهمة وحديثة تستحق التناول.


معايير اختيار المشكلة البحثية

اختيار مشكلة البحث يجب أن يكون بناءً على معايير علمية واضحة، لضمان أن تكون الدراسة ذات قيمة وجدوى. ومن أبرز هذه المعايير:

الحداثة والأصالة

ينبغي أن تكون المشكلة حديثة وغير مكررة بشكل مباشر في الدراسات السابقة، وتمثل إضافة حقيقية للمجال العلمي.

الأهمية

يجب أن تكون المشكلة ذات أهمية علمية أو تطبيقية، وأن تسهم نتائج البحث في تطوير المعرفة أو حل مشكلة قائمة.

القابلية للبحث

ينبغي أن تكون المشكلة قابلة للبحث باستخدام أدوات وأساليب علمية مناسبة، وأن لا تكون مجرد تأملات أو قضايا فلسفية غير قابلة للقياس.

التناسب مع إمكانيات الباحث

ينبغي أن تكون المشكلة متناسبة مع قدرات الباحث، من حيث المعرفة والخبرة والوقت والموارد المتاحة.

الوضوح والتحديد

كلما كانت المشكلة محددة وواضحة، كانت فرص نجاح البحث أعلى، وكانت أدوات البحث وتصميمه أكثر دقة.


كيفية صياغة مشكلة البحث؟

تتطلب صياغة مشكلة البحث مجموعة من الخطوات المنهجية التي يجب أن يلتزم بها الباحث لضمان دقة واحترافية الطرح. وتشمل هذه الخطوات:

فهم السياق العام للمشكلة

يجب على الباحث أن يبدأ بتحديد المجال العام للبحث، ثم يضيّق هذا المجال تدريجياً إلى أن يصل إلى نقطة دقيقة تمثل المشكلة البحثية.

قراءة الأدبيات المتصلة

يساعد الاطلاع على ما كُتب في المجال على اكتشاف الثغرات والجدل العلمي القائم، وهو ما يساهم في بلورة مشكلة البحث بوضوح.

تحويل الفكرة إلى سؤال بحثي

بعد تحديد الفجوة المعرفية، يجب أن يحولها الباحث إلى سؤال بحثي رئيسي واضح، يدور حوله البحث بأكمله.

صياغة المشكلة بصيغة تقريرية

ينبغي أن تُصاغ المشكلة بشكل تقرير وصفي، يبرز طبيعة الظاهرة أو القضية موضع الدراسة، ويُوضّح الأبعاد المرتبطة بها.

الربط بين المشكلة والهدف

يجب أن يُستنتج من صياغة المشكلة الهدف الرئيس من الدراسة، مع توضيح الأسباب التي دفعت الباحث لاختيار هذه المشكلة تحديداً.


أمثلة على صياغة مشكلة البحث العلمي

فيما يلي بعض الأمثلة التطبيقية التي تُظهر كيفية صياغة مشكلة البحث في تخصصات متعددة:

في مجال التربية

"تشير العديد من الدراسات إلى تدني مستوى مهارات التفكير الناقد لدى طلاب المرحلة الثانوية، ورغم الجهود المبذولة في تحديث المناهج، لا تزال النتائج دون المستوى المأمول. من هنا، تبرز الحاجة إلى دراسة مدى فعالية استراتيجيات التعليم النشط في تنمية مهارات التفكير الناقد لدى هؤلاء الطلاب."

في مجال علم النفس

"يعاني العديد من الموظفين في المؤسسات الخدمية من ضغوط العمل المرتفعة، مما يؤدي إلى تراجع الأداء الوظيفي. ورغم تناول بعض الدراسات للعوامل المؤثرة في الضغوط، إلا أن العلاقة بين الذكاء العاطفي وتحمل الضغوط لم تُبحث بشكل كافٍ في البيئة العربية."

في مجال الاقتصاد

"مع تزايد معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الأسر ذات الدخل المحدود تواجه تحديات في إدارة نفقاتها الأساسية. وتُثير هذه الظاهرة تساؤلات حول فاعلية السياسات الحكومية في دعم هذه الفئة، مما يتطلب دراسة تحليلية حول أثر الدعم الحكومي على مستوى المعيشة للأسر منخفضة الدخل."

في مجال تقنيات التعليم

"رغم الانتشار الواسع لتقنيات التعلم الإلكتروني، لا يزال تفاعل الطلاب مع هذه التقنيات محدوداً في بعض البيئات التعليمية. وهذا يثير تساؤلاً حول أسباب ضعف التفاعل ودور التصميم التفاعلي في تحسين تجربة التعلم الرقمي."


أخطاء شائعة في صياغة مشكلة البحث

تُعتبر عملية صياغة مشكلة البحث من أكثر المراحل حساسية في إعداد البحث العلمي، إذ تُبنى عليها كافة خطوات البحث التالية. إلا أن الكثير من طلاب الدراسات العليا والباحثين المبتدئين قد يقعون في أخطاء منهجية عند كتابة هذه المشكلة، مما يؤثر سلباً على جودة البحث ومصداقيته. وفيما يلي أبرز هذه الأخطاء الشائعة، مع تحليل موجز لكل منها:

العمومية المفرطة في الصياغة

من أكثر الأخطاء شيوعاً هو أن تكون مشكلة البحث عامة بشكل مبالغ فيه، كأن يكتب الباحث:

“يُعاني الطلاب من مشاكل تعليمية متعددة.”

هذه الصياغة لا تُحدد نوع المشكلة بدقة، ولا تبيّن الفئة المستهدفة أو السياق الزماني والمكاني. فكلما كانت المشكلة محددة، زادت إمكانية معالجتها علميًا.

الصحيح: أن يُركّز الباحث على جانب محدد، مثل:

“تأثير ضعف مهارات القراءة التحليلية على تحصيل طلاب المرحلة الثانوية في مادة اللغة العربية بمدينة الرياض.”

الغموض وعدم الدقة

قد يستخدم بعض الباحثين ألفاظًا غير واضحة أو مصطلحات عامة تحتمل أكثر من تفسير، مما يجعل فهم المشكلة صعبًا. فعلى سبيل المثال:

“تأثير العوامل المختلفة على الأداء.”

هذا التعبير غامض: ما هي العوامل؟ وما المقصود بالأداء؟ وأداء من؟

الصحيح: أن يُستخدم تعبير دقيق ومحدد، مثل:

“تأثير ضغوط العمل على كفاءة المعلمين في المدارس الثانوية بمحافظة جدة.”

التكرار دون إضافة جديدة

إعادة تناول مشكلة سبق أن دُرست كثيرًا دون تقديم منظور جديد يُعدّ من الأخطاء الشائعة. فمجرد تكرار المشكلة لا يُعدّ إسهامًا علميًا إلا إذا قدم الباحث مدخلًا جديدًا أو فئة مستهدفة مختلفة أو بيئة تطبيق مغايرة.

الصحيح: البحث عن زوايا غير مطروقة للمشكلة، أو الربط بينها وبين متغيرات جديدة، أو نقل الدراسة إلى سياق مختلف.

الخلط بين المشكلة والفرضية أو الهدف

يقع بعض الباحثين في خطأ منهجي يتمثل في تحويل المشكلة إلى فرضية أو هدف، فيكتبون على سبيل المثال:

“هدفي هو قياس العلاقة بين التحصيل والذكاء.”

أو: “الفرضية تقول إن هناك علاقة بين التحصيل والذكاء.”

الصحيح: أن تُصاغ المشكلة في شكل تقرير يصف الحالة أو الظاهرة التي تحتاج إلى بحث، مثل:

“تشير نتائج اختبارات الطلاب في مادة الرياضيات إلى تفاوت كبير في الأداء، الأمر الذي قد يرتبط بمستويات الذكاء الفردية.”

الانطلاق من رأي شخصي دون سند علمي

من الأخطاء المنهجية أن ينطلق الباحث في صياغة المشكلة من ملاحظات ذاتية أو آراء شخصية دون الرجوع إلى أدبيات علمية أو إحصاءات موثوقة. فمثلاً:

“أعتقد أن ضعف المعلمين سبب تراجع التعليم.”

الصحيح: أن يستند الباحث إلى دراسات سابقة أو تقارير رسمية أو نتائج ميدانية تُبرّر الحاجة إلى بحث المشكلة، مثل:

“أظهرت نتائج الدراسة الوطنية لتقييم جودة التعليم أن نسبة كبيرة من المعلمين يفتقرون لمهارات التدريس النشط، مما يُبرز الحاجة إلى دراسة العلاقة بين نوع التدريب التربوي وكفاءة الأداء.”


خاتمة

تُعدّ صياغة مشكلة البحث خطوة محورية في مسيرة الباحث الأكاديمية، إذ يتوقف عليها نجاح الدراسة من حيث المنهج والأدوات والتحليل والنتائج. لذلك فإن إتقان هذه الصياغة يتطلب ممارسة منهجية قائمة على فهم عميق، واطلاع واسع، وقدرة تحليلية على الربط بين النظرية والواقع. وكلما كانت مشكلة البحث واضحة ومحددة، كانت الدراسة أكثر قوة وجودة. ومن هنا، نوصي طلاب الدراسات العليا والباحثين بالاهتمام بصياغة المشكلة العلمية، باعتبارها الخطوة الأولى نحو إنجاز بحث علمي ناجح ومؤثر.


تعليقات