📁 المقالات الحديثة

6 فروقات بين البحث النظري والبحث التطبيقي

البحث النظري والبحث التطبيقي

الفرق بين البحث النظري والتطبيقي 

في هذا المقال، سنناقش الفرق بين البحث النظري والبحث التطبيقي بشكل موسع، موضحين طبيعة كل منهما، والخصائص التي تميز كل نوع، وكذلك الأوقات والحالات التي يستدعي فيها استخدام كل منهما. كما سنسعى إلى توضيح كيفية اختيار الباحث لنوع البحث المناسب بناءً على طبيعة المشكلة البحثية والأهداف المرجوة، مما يعزز من فعالية الدراسات العلمية ويسهم في رفع مستوى الإسهامات المعرفية والتطبيقية في مختلف التخصصات.


ما هو البحث النظري والتطبيقي؟

1. تعريف البحث النظري

البحث النظري هو نوع من أنواع البحث العلمي يهدف إلى دراسة الظواهر من منظور فكري مجرد، وذلك من خلال تطوير المفاهيم والنظريات العلمية، وفهم العلاقات بين المتغيرات بشكل تجريدي بعيدًا عن التطبيق العملي المباشر. يركز البحث النظري على توضيح القواعد والمبادئ الأساسية التي تحكم الظواهر في مجال معين، ويهدف إلى بناء إطار مفاهيمي نظري يمكن استخدامه كأساس لفهم أعمق للموضوعات العلمية.

يتميز البحث النظري بأنه يعتمد بشكل كبير على مراجعة وتحليل الدراسات السابقة، والنماذج العلمية، والمفاهيم المجردة، وليس على البيانات الميدانية أو التجارب العملية. كما أنه غالبًا ما يكون مرتبطًا بمجالات العلوم الأساسية مثل الرياضيات، الفيزياء، الفلسفة، وعلم الاجتماع النظري، حيث يهدف إلى إحداث تقدم في المعرفة دون الحاجة لتطبيق فوري على أرض الواقع.

2. تعريف البحث التطبيقي

على العكس من البحث النظري، يأتي البحث التطبيقي مركّزًا على استكشاف وحل المشكلات العملية في الحياة الواقعية، من خلال استخدام النظريات والمفاهيم التي تم تطويرها في البحث النظري. يسعى البحث التطبيقي إلى اختبار الفرضيات في بيئات حقيقية أو شبه حقيقية، بهدف التوصل إلى حلول فعالة قابلة للتنفيذ، سواء في المجالات الصناعية، الطبية، التربوية، الاقتصادية، أو غيرها.

يعتمد البحث التطبيقي على جمع البيانات الحقيقية من خلال التجارب، الدراسات الميدانية، الاستبانات، والمقابلات، وهو أكثر عملية من البحث النظري. كذلك، يستخدم البحث التطبيقي أدوات منهجية مثل التحليل الإحصائي، المحاكاة، والنمذجة بهدف التحقق من صحة الفرضيات وإيجاد توصيات قابلة للتطبيق العملي.


 البحث العلمي النظري مقابل البحث التطبيقي الفروقات:

تُعد المقارنة بين البحث النظري والبحث التطبيقي أحد أهم المحاور التي توضح الفرق الجوهري بينهما، إذ تكمن أهمية فهم هذا الفارق في تمكين الباحث من تحديد الاتجاه المناسب لدراسته، وتحقيق أهدافه بشكل أكثر دقة وفاعلية. وفيما يلي نستعرض أبرز الفروق بين البحثين من عدة جوانب:

1. الفارق في الهدف الأساسي

  1. البحث النظري: يهدف إلى فهم الظواهر بشكل مجرد، وتطوير نظريات أو نماذج علمية جديدة تفسر سلوك أو طبيعة هذه الظواهر. الهدف الأساسي هو إثراء المعرفة العلمية وتوسيع القواعد النظرية التي يمكن البناء عليها مستقبلاً.
  2. البحث التطبيقي: يركز على حل مشكلات عملية وواقعية، من خلال تطبيق النظريات والمفاهيم العلمية على أرض الواقع بهدف تحقيق تحسينات أو تطوير إجراءات وعمليات في بيئات محددة.

2. الفارق في المنهجية المتبعة

  1. البحث النظري: يعتمد على التحليل المنطقي، والتفكير النقدي، ومراجعة الأدبيات والدراسات السابقة. لا يعتمد غالبًا على تجارب ميدانية أو بيانات كمية مباشرة، بل يستخدم أساليب نوعية في صياغة الأفكار والنظريات.
  2. البحث التطبيقي: يتطلب جمع البيانات الميدانية أو التجريبية باستخدام أدوات مثل الاستبانات، المقابلات، التجارب المختبرية، أو الملاحظة. كما يستخدم التحليل الإحصائي لتفسير النتائج والتأكد من صحة الفرضيات.

3. الفارق في طبيعة البيانات

  1. البحث النظري: يعتمد على مصادر ثانوية، مثل الكتب، المقالات العلمية، الدراسات السابقة، والنماذج النظرية. البيانات هنا هي أكثر تجريدًا وغالبًا ما تكون مفاهيم أو فرضيات.
  2. البحث التطبيقي: يتعامل مع بيانات أولية تم جمعها من الواقع، مثل نتائج تجارب، ملاحظات ميدانية، أو استبيانات من عينة دراسية. هذه البيانات قابلة للقياس والتحليل الكمي أو النوعي.

4. الفارق في النتائج المتوقعة

  1. البحث النظري: يقدم نظريات أو نماذج تفسيرية تسهم في توضيح الظواهر أو بناء إطار معرفي جديد يمكن أن يعتمد عليه البحث المستقبلي.
  2. البحث التطبيقي: ينتج حلولًا عملية، توصيات لتطوير سياسات أو ممارسات، أو تقييمًا لتأثيرات محددة في سياق عملي.

5. الفارق في مجال الاستفادة

  1. البحث النظري: يخدم المجتمع العلمي والأكاديمي، ويساهم في بناء المعرفة التي تتناول أصل الظواهر وعلاقاتها، ويستخدم كأساس للبحث التطبيقي.
  2. البحث التطبيقي: يخدم المجتمع العملي، مثل الشركات، المؤسسات التعليمية، الحكومات، والقطاعات الصناعية، من خلال توفير حلول واقعية وقابلة للتنفيذ.

6. الفارق في الجمهور المستهدف

  1. البحث النظري: غالبًا ما يستهدف الأكاديميين، الباحثين، وطلاب الدراسات العليا الذين يسعون لفهم أعمق في مجال معرفي محدد.
  2. البحث التطبيقي: يستهدف صناع القرار، ممارسي المهنة، والمجتمع بشكل عام، الذين يحتاجون إلى حلول عملية وقابلة للتطبيق.


متى يتم استخدام كل نوع من الأبحاث؟

1. العوامل التي تحدد اختيار نوع البحث

اختيار نوع البحث، سواء كان نظريًا أم تطبيقيًا، يعتمد على مجموعة من العوامل الأساسية التي ترتبط بطبيعة المشكلة البحثية، وأهداف الدراسة، والموارد المتاحة، والإطار الزمني، بالإضافة إلى نوع البيانات المطلوبة. يمكن تلخيص هذه العوامل كما يلي:

طبيعة المشكلة البحثية

  1. إذا كانت المشكلة تتطلب تفسيرًا أو فهمًا معمقًا لظاهرة أو نظرية معينة دون الحاجة إلى تطبيق عملي فوري، فإن البحث النظري هو الأنسب.
  2. أما إذا كانت المشكلة قائمة في واقع عملي أو تطبيقي وتحتاج إلى حلول قابلة للتنفيذ، فالبحث التطبيقي هو الخيار الأمثل.

هدف البحث

  1. البحث النظري يستهدف بناء المعرفة العلمية، تطوير النظريات، وتقديم إسهامات معرفية جديدة.
  2. البحث التطبيقي يهدف إلى تقديم حلول عملية وتحسينات مباشرة في المجالات المختلفة.

 نوع البيانات المتاحة

  1. عندما تكون البيانات متوفرة بشكل نظري أو مفهومي، أو يحتاج البحث العلمي إلى استنباط نظريات جديدة، يفضل البحث النظري.
  2. إذا كانت هناك إمكانية لجمع بيانات ميدانية، تجريبية، أو إحصائية من الواقع، فإن البحث التطبيقي يكون أكثر ملاءمة.

الموارد والوقت المتاح

  1. البحث النظري عادة ما يحتاج إلى وقت أقل وجهد أقل مقارنة بالبحث التطبيقي، لأنه يعتمد على مراجعة الأدبيات وتحليل النظريات.
  2. البحث التطبيقي قد يتطلب موارد مالية وبشرية أكبر ووقتًا أطول لجمع وتحليل البيانات.

2. الحالات التي يفضل فيها البحث النظري

  1. في مراحل تأسيس مجال علمي جديد أو مفهوم جديد يحتاج إلى فهم معمق.
  2. عند الحاجة إلى تطوير نموذج أو إطار نظري يمكن الاعتماد عليه في الدراسات المستقبلية.
  3. في المجالات التي يصعب فيها جمع البيانات الميدانية أو التجريبية.
  4. عندما يكون الهدف هو توضيح مبادئ عامة أو قوانين تحكم ظاهرة معينة.

3. الحالات التي يفضل فيها البحث التطبيقي

  1. عند وجود مشكلة عملية أو حاجة ملحة لحل تحديات ميدانية.
  2. حينما يكون الهدف هو اختبار فرضيات أو نظريات في سياق عملي محدد.
  3. في حالة تطوير أو تحسين منتجات أو خدمات أو سياسات بناءً على نتائج البحث.
  4. عندما يكون هناك إمكانية لجمع بيانات ميدانية تجريبية للتحليل.

4. الدمج بين البحث النظري والتطبيقي

في كثير من الأحيان، لا يكون اختيار نوع البحث حصرًا بين النظري والتطبيقي، بل يمكن أن يتم الجمع بينهما في دراسة واحدة لتحقيق أكبر فائدة علمية وعملية. حيث يبدأ الباحث غالبًا بتأسيس إطار نظري قوي يُبنى عليه البحث التطبيقي الذي يختبر الفرضيات في الواقع. هذا التكامل يُعرف بالبحث التطبيقي النظري أو البحث المدمج، ويعزز من موثوقية النتائج وقابليتها للتطبيق.


 نصائح للباحثين في اختيار نوع البحث

  1. تحليل دقيق للمشكلة البحثية وأهداف الدراسة.
  2. دراسة الإمكانيات المتاحة لجمع وتحليل البيانات.
  3. مراجعة الأدبيات لمعرفة ما إذا كانت هناك نظريات متاحة أو حاجة لتطويرها.
  4. مراعاة القيود الزمنية والموارد المالية.
  5. التفكير في الجمهور المستهدف واحتياجاتهم.


الخاتمة

في ضوء ما تم استعراضه في هذا المقال حول الفرق بين البحث النظري والبحث التطبيقي، يتضح أن كلا النوعين يشكلان ركيزتين أساسيتين في البناء العلمي والتقدم المعرفي. فالبحث النظري يُعنى بتأسيس الأسس والمفاهيم التي تُمكن الباحثين من فهم الظواهر بشكل معمق ومجرد، بينما يركز البحث التطبيقي على ترجمة هذه المفاهيم إلى حلول عملية تسهم في تطوير المجتمع والواقع.

كما تناولنا الفرق في الأهداف والمنهجيات وطبيعة البيانات، بالإضافة إلى الحالات التي يُفضل فيها استخدام كل نوع من الأبحاث. ويظل الاختيار الأمثل بين البحث النظري والتطبيقي رهينًا بطبيعة المشكلة البحثية، وأهداف الباحث، والموارد المتاحة، مما يستوجب على الباحث فهمًا دقيقًا لمتطلبات دراسته قبل الشروع في تنفيذها.

وأخيرًا، فإن التفاعل بين البحث النظري والتطبيقي يُعد من أهم عوامل نجاح البحث العلمي، إذ يحقق التكامل بين بناء المعرفة وتطبيقها، مما يعزز من قيمة النتائج ويسهم في تقدم العلوم والمجتمعات على حد سواء. ومن هذا المنطلق، يُنصح الباحثون وطلاب الدراسات العليا بالعمل على تطوير مهاراتهم في كلا النوعين، واختيار المسار البحثي الذي يخدم هدفهم العلمي والعملي بشكل فعّال.





تعليقات