نظرية الإدارة العلمية
عرف تيسيير المؤسسات تطورات كثيرة منذ مئات السنين، من خلال أراء وأفكار ونظريات العديد من الكتاب والمفكرين والممارسين. فمنذ ظهور الإدارة كعلم مستقل تزايد الباحثون في مجالات الإدارة المختلفة وتزايدت معهم الآراء التي خلصوا إليها من أجل تطوير العمل الإداري. حيث إنه ليس بمقدور رجل الإدارة تحقيق أهداف مؤسسته بمجرد إصدار قرار معيناً، وإنما لابد له من القيام بمجموعة من المهام والتي أصطلح على تسميتها بالوظائف الإدارية أو وظائف العملية الأدارية المتمثلة في التخطيط والتنظيم وإعداد التنمية القوي العاملة والتوجية والقيادة والتقويم.
تعريف الإدارة العلمية:
الإدارة علم له أصوله وقواعده ونظرياته، ويمكن تطبيق المنهج العلمي في دراسته والتحقق منه، حيث يمتاز المنهج العلمي بمميزات ومن بينها: الموضوعية، وقابلية أثبات النتائج، والقابلية للتعميم، وإمكانية التنبؤ بالنتائج والمرونة، ويزيد من الناحية العلمية الموضوعية للأدارة أن هناك جوانب مادية تتعامل معها وبها الإدارة، وهذه يمكن دراستها واخضاعها للتجارب تماما كما تخضع المواد في المختبرات العلمية للتجارب.
نشأة نظرية الإدارة العلمية وتطورها:
بدأت الحركة العلمية مسارها العلمي الصحيح في أوائل القرن العشرين لم يكن هناك كتابات تذكر في تنسيق الجهود البشرية وحفزها على العمل. كما أنه لم تكن هناك طريقة تمكن رجال الأعمال للتبادل فيما بينهم المعلومات والخبرات الناتجة عن القيام بأعمالهم اليومية.
وفي هذا الفراغ الأدبي، بدأ فريدريك يايلور دراسته، ولاحظ خلال عمله في شركتي "بيت لحم " و "ميدفيل للحديد" أن هناك حاجة ماسة للتعرف إلى تخصص الإدارة وفصلها عم المسؤوليات الخاصة بالعمال.
وحاول تايلور إصلاح الإدارة بطريقة علمية تتميز بالتفكير المنظم والمنطق. ويمكن القول إن الإدارة تحاول الإصلاح في أربع نواح مختلفة:
- استخدام الطريقة العفوية في أكتشاف أجزاء العمل الرئيسية بدلآ من اتباع التخمين والحدس.
- التعرف إلى الوظائف الإدارية في تخطيط العمل بدلا من السماح للعمال لاختيار الأساليب والطرق كل حسب اهوائه وميولة.
- اختيار وتدريب العاملين وتنمية روح التعاون بينهم بدلا للجهود الفردية من السيطرة على المشروع.
- تقسيم العمل بين الإدارة والعمال بحيث يقوم كل منهم بالعمل الذي أهل له ويعود بالتالي بزيادة الكفاءة الإنتاجية للمشروع.
فرضيات نظرية الإدارة العلمية:
تتمثل فرضيات الإدارة العلمية في الآتي:
- لقد استند تايلور على مجموعة من المشاهدات يمكن إيجازها فيما يلي:
- أن العاملين لم يحاولو إطلاق رفع كفايتهم الإنتاجية لعدم وجود دافع قوي يحفزهم على زيادة الجهد.
- إن أجر الفرد في المؤسسة يحدد حسب وظيفته، وأقدميته وليس حسب قدراته وخبراتة ومهاراتة الإنتاجية فادي إلى هبوط مستوي أداء الفرد النشيط إلى مستوي أداء غير نشيط ما دام يحصل على نفس الأجر.
- جهل الإدارة بمقدار الوقت اللازم لإنجاز العمل المطلوب مما يؤدي إلى زيادة الفاقد في العمل وارتفاع التكلفة.
- جهل رجال الإدارة بالنظم الواجب إتباعها لتنظيم العلاقة بين العمل والعاملين. والطرق الواجب استخدامها للحد من التلاعب وضياع الوقت. وقد علل تايلور وجود هذه الظاهرة إلى سببين:
- "الطبيعة البشرية" فالفرد يميل بطبيعته إلى الكسل والبطء في العمل إذا لم يكن هناك مصلحة شخصية تحقق له حاجة ضرورية. وكذلك أن سوء علاقة الفرد بزملائة أو رئيسة يؤدي إلى أنخفاض أدائه وإنتاجيته.
- اعتقاد بعض العاملين أن زيادة أنتاجيتهم سوف تتسبب في فصل عدد منهم من العمل.
تجارب نظرية الإدارة العلمية:
هناك عده مجالات على النحو التالي:
- تجربة رفع الكتل المعدنية: قام تايلور وبناء افتراض تدني معدل الإنتاجية، بأخذ الضوء الأخضر من إدارة المصنع للاستنغناء عن العمال غير المناسبين وتعيين عمال أكثر تناسباً مع الأعمال. وبعد ذلك قام بقياس الانتاجية واكتشف أنها تضاعفت عدة مرات، وباستخدام نصف وقت العمل.
- تجربة جرف الخامات: تناولت هذه التجربة عملية جرف الخامات الحديد والفحم وقد تبين له أن استعمال العمال نفس الأدوات لجرف المادتين كان سببا خفض النتاج، حيث إن الأدوات المستعملة كان يجلبها العمال أنفسهم وكانت ثقيلة جداُ عند استعمالها لجرف الخامات المعدنية وخفيفة جدا عند استعمالها لجرف الفحم.
- تجربة ملائمة الأدوات المستخدمة بالإنتاج: لاحظ تايلور أيضا أن الأدوات المستخدمة من قبل العمال والخامات المختلفة في رفع الكتل المعدنية والخامات المختلفة في المصنع، أدوات يجلبها العمال أنفسهم، وأنهم يستعملون نفس الأدوات سواء كانت الخامات التي يدفعونها ثقيلة أم خفيفة. وبذلك قرر أن يستبدل تلك الأدوات بأدوات تتناسب مع طبيعة المواد التي يتعامل معها العمال.
أسس نظرية الإدارة العلمية:
لقد توصل تايلور إلى عدد من المبادئ الرئيسية التى اعتبرها الأسس الضرورية للإدارة العلمية ومن هذه المبادئ ما يلي:
- إحلال الأسلوب العلمي في تحديد العناصر الوظيفية بدلا من أسلوب الحدس والتقدير وذلك من خلال تعريف طبيعة العمل تعريفا دقيقا، واختيار أفضل طرق الأداء، وأهم الشروط للعمل من حيث المستوي، والمدة الزمنية المطلوبة لتحقيقه.
- إحلال الإسلوب العلمي في اختيار وتدريب الأفراد لتحسين الكفاءة الإنتاجية.
- تحقيق التعاون بين الإدارة والعاملين من أجل تحقيق الأهداف.
- تحقيق المسؤولية بين المديرين والعمال، بحيث تتولي الإدارة التخطيط والتنظيم، ويتولى العمال التنفيذ.
- ربط تأدية أو نجاح الفرد في عملة بالأجر أو المكافآت لرفع الكفاءة الإنتاجية.
- إحكام الأشراف والرقابة على العاملين في المستوي الأدني لأنهم يفتقدون المقدرة والمسؤولية في القدرة على التوجه الذاتي.
- تقسيم عادل للمسؤولية بين المديرين والعمال بحيث يقوم المديرين بوظيفة التخطيط والتنظيم ويقوم العمال بوظيفة التنفيذ.
- الاعتماد على الأساليب الفنية في العمل "بدلا من الأوامر التعسفية".
- الأختيار العلمي والتطوير الايجابى للعمال بحيث لايستند العمل إلا للشخص الذي هو كفؤ به.
- تتحمل الإدارة نصف مسؤولية العمل، إذ انها تتحمل مسؤولية تنمية مواهب العامل وتمكينه من جمع المعلومات وتبويبها ثم حفظها في كراسى للعمل يتضمن جمع القوانين المتعلقة بأساليب العمل وكيفيات أدائه
- تعليم وتدريب العامل حتى يتسني له أن يرفع من مستواه ويتمكن من أدائه عمله بطريقة علمية، تساعده في نهاية الأمر على تحقيق أمانيه ورفاهيتة
خصائص الإدارة العلمية:
- نظام تحليلي غايته معالجة المشاكل الصناعية.
- إحلال الطرق العلمية للعمل والعاملين.
- وسيلة للكشف عن أفضل الوسائل للإنجاز في أقل تكلفة.
- الاهتمام بعوامل الأنتاج (القوي البشرية-المواد والآلات-رأس المال).
أهداف الإدارة العلمية:
- زيادة الأنتاج وتخفيض التكلفة وزيادة فعالية العاملين
- رفع مستوي طرق العمل خلال المعدات والمواد المستخدمة وتدريب العاملين.
- تغيير وتطوير وتعديل الأنظمة والقوانين بما يتناسب مع العمل.
- التأكيد على تقسيم العمل وتوزيع المسؤوليات بين الإدارة والأفراد والعاملين.
تأثير الإدارة العلمية على الإدارة بشكل عام:
تبني عدد كبير من رجال التربية تطبيق مبادئ الإدارة العلمية في الميدان التربوى سعياً منهم إلى:
- إضفاء الصبغة العلمية على الإدارة التربوية واعتبار من يعمل بها صاحب مهنة.
- استخدام النظريات والنماذج في مجال الإدارة التعليمية.
- اهتمام الباحثين بدرجة كبيرة بالدراسات العلمية للإدارة التربوية.
- استخدام المنهج العلمي في الدراسات التربوية.
تقييم نظرية الإدارة العلمية:
لقد لاقت أفكار تايلور الكثير من الانتقادات وذلك للأسباب التالية:
- اعتبرها الكثيرون أنها تضر بصالح العاملين وتلغى شخصية العامل وتجعله يعمل مثل الآلة وبالتالي تقل أهمية العامل داخل المؤسسة.
- اقتصرت دراسة تايلور على مستوي المصنع الصغير "الورشة".
- أدت أفكار تايلور إلى نوع من الحرب بين العاملين وأصحاب العمل.
- طريقة الحوافز التي اقترحها تايلور تؤدي إلى معاقبة العامل البطيئ وتغري العامل بأرهاق نفسه مقابل الحصول على أجر دون أعتبار للنواحي الصحية.
- عارضها أصحاب المصانع الذين أخيل أليهم أنها تعطي حقوق جديدة للعمال لا يستحقونها.
- لاقت أفكار تايلور معارضه شديدة لأنها تطرح أفكار وطرق جديدة في الإدارة لم يعتد عليها أصحاب المصانع، بل أن الطرق التقليدية في الإدارة كانت بمثابة عادات وتقاليد ثابتة غير قابلة للتغيير.
- ركزت على السلطة والقوانين الرسمية، ولم تدع مجالات لمشاركة العاملين في اتخاذ القرارات الإدارية وغيرها.
- نظر أصحاب هذه المدرسة إلى الفرد على أنه مخلوق رشيد يلتزم بالقوانين والأنظمة، وأنه إنسان مادي سلبي، وغير محب للعمل بطبيعته، ولاكن يمكن تحفيزه بواسطة المادة.
- تجاهلت أهمية التنظيم غير الرسمي بين الجهاز الإداري والعاملين، وبين العاملين وبعضهم البعض، وبين العاملين والسلطة.
- لم تهتم بالحاجات الإنسانية والأجتماعية والنفسية للفرد والعامل ونظرت إليه نظرة مادية بحثية كأداة من أدوات الإنتاج.
- ركز على زيادة الإنتاجية من خلال كفاءة الإنسان والآلة ودراسة الحركة والزمن وتجاهل العلاقات الإنسانية بين الناس في العمل.
- افترض تايلور أن هيئة الإدارة العليا تعرف جيدا مصلحة العمل ومصالح العمال وتعمل على تحقيقها ولذا فمن رأيه لا مجال لإشراك العاملين في مناقشة القرارات التى تتخذ من جانب الإدارة العليا أو حتى الاعتراض عليها.
- وضع التخطيط للعمل في أيدي الإدارة العليا وحدها دون اشتراك العاملين في الخطة وهذا يدل على المركزية الشديدة في الإدارة.
- بالرغم من اعتراف تايلور بشرعية النقابات العمالية إلا أنه تجاهل ممثليها واعتراض على تدخلهم في تحديد شروط العمل كالأجر وعدد الساعات فهو يري أن مهمة النقابة يجب أن تقتصر على رفع المستوي الثقافي والاجتماعي لأعضائها.
- اعترف تايلور واتباعه بأهمية الحوافز لتشجيع الفرد على العمل أنهم افترضوا أن الأجر وحده هو الدافع الوحيد للعمل.
- اعتبرت الإدارة العلمية أن العلاقة بين المؤسسة والعاملين فيها علاقة تعاقدية يحق بموجبها للإدارة أن تضع شروطاً وقيوداً على العاملين بهدف تحقيق الربح مقابل دفع الأجر على كمية العمل ولذا فالإدارة العلمية تجاهلت العلاقة الإنسانية في الإدارة.