كيف تكتب أهداف البحث في رسالة ماجستير تربوية
تُعد أهداف البحث العلمي من أهم العناصر الأساسية في بناء أي دراسة أكاديمية، ولا سيّما في رسائل الماجستير التربوية، حيث تُحدد هذه الأهداف الاتجاه العام للدراسة، وتُرشد الباحث في جميع مراحل بحثه. كما تُعد دليلاً للمحكمين لتقييم مدى نجاح الباحث في تحقيق غاياته. ونظراً لأهمية هذه الجزئية، يهدف هذا المقال إلى توضيح مفهوم أهداف البحث، أنواعها، كيفية تحديدها، العوامل المؤثرة فيها، والفرق بينها وبين أهمية البحث، وغيرها من المحاور المرتبطة، وذلك بما يخدم طلاب الدراسات العليا والباحثين في المجال التربوي.
مفهوم أهداف البحث العلمي
أهداف البحث العلمي هي العبارات التي تصف النتائج المرجوة من البحث، وهي تمثل المقاصد التي يسعى الباحث لتحقيقها من خلال دراسته. وتُعبّر هذه الأهداف عن الأسئلة التي يحاول الباحث الإجابة عنها، أو المشكلات التي يسعى لحلّها.
أنواع أهداف البحث العلمي
تتنوّع أهداف البحث العلمي بحسب طبيعتها ووظيفتها، وتنقسم عادة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، وهي:
1. الأهداف العامة (General Objectives)
تمثل الأهداف العامة الغاية الشاملة أو الكبرى التي يسعى الباحث لتحقيقها من خلال الدراسة. وغالباً ما تُعبر عن النتيجة النهائية التي يُطمح الوصول إليها، وهي عادة ما تكون مرتبطة بشكل مباشر بعنوان البحث، وسماتها هي:
- عامة وشاملة.
- تُظهر الاتجاه الأساسي للبحث.
- تُصاغ بلغة واسعة النطاق دون تفاصيل دقيقة.
مثال:
يهدف البحث إلى دراسة أثر استراتيجية التعليم التعاوني على تنمية مهارات التفكير الناقد لدى طلاب المرحلة الثانوية.
2. الأهداف الخاصة أو الفرعية (Specific Objectives)
تُشتق الأهداف الخاصة من الهدف العام، وتُعبر عن التفاصيل الدقيقة للموضوع. وهي توضح الجوانب التي سيركز عليها الباحث خلال الدراسة. وغالبًا ما تتطابق هذه الأهداف مع أسئلة البحث أو فروضه، وسماتها هي:
- أكثر تحديدًا وواقعية.
- يمكن قياسها وتحقيقها ضمن مدة زمنية محددة.
- تُساعد في تنظيم منهجية البحث واختيار الأدوات المناسبة.
مثال:
- التعرف على مدى تأثير استراتيجية التعليم التعاوني على التحصيل الدراسي في مادة الأحياء.
- قياس الفرق في مهارات التفكير الناقد بين الطلاب الذين يتعلمون بالتعليم التعاوني والطلاب الذين يتعلمون بالطريقة التقليدية.
3. الأهداف الإجرائية (Operational Objectives)
وهي الأهداف التي تُعبر عن الإجراءات والخطوات العملية التي سيقوم بها الباحث لتنفيذ بحثه. وتُستخدم غالبًا في الأبحاث التطبيقية والتجريبية، وتهدف إلى وصف الأنشطة البحثية بشكل دقيق، سماتها:
- عملية وتفصيلية.
- تُستخدم في إعداد خطط التنفيذ وجداول العمل.
- توضح "كيف" سيتم تنفيذ البحث.
مثال:
- تصميم اختبار قبلي وبعدي لقياس مهارات التفكير الناقد.
- تدريب المعلمين المشاركين على تطبيق استراتيجية التعليم التعاوني.
كيف يتم تحديد أهداف البحث العلمي؟
يُعد تحديد أهداف البحث من أهم خطوات إعداد الدراسة العلمية، فهو يوجه الباحث نحو طريق واضح المعالم، ويساعده على التركيز على النتائج التي ينبغي تحقيقها. ولا يُمكن أن تتم هذه الخطوة بشكل عشوائي أو انطباعي، بل تتطلب معرفة منهجية دقيقة، مبنية على أسس علمية. وفيما يلي الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها لتحديد أهداف البحث:
1. فهم المشكلة البحثية بدقة
أول خطوة في تحديد الأهداف هي الفهم العميق لمشكلة الدراسة. فالهدف الجيد لا يمكن صياغته دون أن يكون لدى الباحث تصور واضح للمشكلة أو الظاهرة التي يتناولها، كيف يتم ذلك؟
- قراءة شاملة للأدبيات والدراسات السابقة.
- تحليل الفجوات البحثية الموجودة في المجال.
- طرح تساؤلات نقدية حول الموضوع.
مثال: إذا كانت المشكلة تدور حول "ضعف التحصيل في مادة الرياضيات"، فإن الهدف يجب أن يتركز على تفسير هذا الضعف أو البحث عن حلول عملية له.
2. صياغة سؤال أو تساؤلات البحث
تحديد سؤال البحث أو أسئلته يُسهم بشكل مباشر في بناء الأهداف، حيث يُترجم كل سؤال إلى هدف معين.
مثال:
سؤال: ما أثر استخدام الألعاب التعليمية على تحصيل طلاب الصف الثالث الابتدائي؟
الهدف المقابل: يهدف البحث إلى معرفة أثر استخدام الألعاب التعليمية على تحصيل طلاب الصف الثالث الابتدائي في مادة العلوم.
3. تحديد نوع المنهج المستخدم
يساعد اختيار نوع المنهج (وصفي، تجريبي، نوعي، إلخ) في تحديد الأهداف الممكنة، إذ إن كل منهج له طبيعة مختلفة في تحديد الغايات.
مثال:
- في المنهج الوصفي: تكون الأهداف منصبة على "الوصف" و"التحليل".
- في المنهج التجريبي: تركز الأهداف على "التحقق من الفرضيات" و"قياس الأثر".
4. مراعاة القابلية للقياس والتحقيق
يجب أن تكون الأهداف قابلة للقياس ضمن إطار الدراسة. فلا فائدة من هدف طموح للغاية إذا لم يكن من الممكن قياسه أو التحقق من نتائجه، وتتمثل مؤشرات الهدف الجيد في:
- أن يكون محددًا.
- قابلًا للقياس.
- قابلًا للتحقيق.
- ذا صلة بمشكلة البحث.
- محدودًا بإطار زمني واضح (SMART Goals).
5. الارتباط الوثيق بين الأهداف وبقية مكونات الدراسة
يجب أن تنسجم الأهداف مع الإطار النظري، أسئلة البحث، الفروض، منهجية البحث، وأداة الدراسة.
مثال على الاتساق:
إذا كان أحد الأهداف هو: "قياس فاعلية التدريس باستخدام استراتيجية العصف الذهني"، يجب أن يتوفر:
- أداة لقياس الفاعلية.
- منهج تجريبي.
- فرضية مرتبطة.
6. مراجعة الأهداف وتدقيقها لغويًا ومنهجيًا
بعد صياغة الأهداف، ينبغي مراجعتها للتأكد من:
- خلوها من الغموض أو التكرار.
- ملاءمتها لمستوى البحث (ماجستير، دكتوراه).
- دقتها المنهجية.
7. الاستفادة من آراء المشرف أو المحكمين
من المفيد جدًا عرض الأهداف على المشرف الأكاديمي أو متخصصين في المجال للحصول على ملاحظات تساعد في تحسين صياغتها وضبطها.
ما هي العوامل المؤثرة على أهداف البحث العلمي
هناك عدة عوامل تؤثر على صياغة أهداف البحث، من أبرزها:
- طبيعة المشكلة البحثية ومدى تعقيدها.
- الإطار النظري للدراسة.
- قدرات الباحث العلمية والمنهجية.
- الإمكانيات المتاحة (الزمن، الموارد، الأدوات).
- الاعتبارات الأخلاقية والمنهجية.
أهداف البحث العلمي وطريقة كتابتها
لكتابة أهداف البحث بطريقة أكاديمية دقيقة، يجب مراعاة ما يلي:
- البدء بالفعل المضارع مثل "يهدف البحث إلى..."
- تحديد الهدف بدقة دون تعميم مفرط.
- الربط بين كل هدف وأداة البحث المناسبة له.
- ترتيب الأهداف من العام إلى الخاص.
- عدم إدراج معلومات تفسيرية أو تحليلية ضمن الأهداف.
مثال:
يهدف البحث إلى التعرف على أثر استخدام الألعاب التعليمية على تحصيل طلاب المرحلة الابتدائية في مادة الرياضيات.
ما موقع أهداف البحث العلمي في خطة البحث أو الدراسة
عادةً ما تُدرج أهداف البحث في الجزء الأول من خطة البحث، بعد المقدمة ومشكلة الدراسة، وتُعد بمثابة عنصر محوري يُبنى عليه باقي مكونات الدراسة مثل التساؤلات أو الفروض، ومنهجية البحث، وأدوات جمع البيانات.
هل تؤثر طبيعة الزمان في أهداف البحث العلمي؟
نعم، للزمان أثر مهم في صياغة أهداف البحث، خاصة في الأبحاث التربوية التي تتأثر بالمتغيرات الزمنية مثل:
- التطورات التكنولوجية الحديثة.
- التغييرات في السياسات التعليمية.
- التحولات الاجتماعية والثقافية.
لذا، فإن الباحث الجيد يأخذ بعين الاعتبار التوقيت الذي يُجري فيه الدراسة، ويُكيف أهدافه لتكون ذات صلة وواقعية في السياق الزمني المعاصر.
هل هناك فرق بين أهداف البحث العلمي وأهمية البحث العلمي؟
نعم، هناك فرق جوهري بين المفهومين:
- أهداف البحث تُشير إلى ما ينوي الباحث تحقيقه من نتائج علمية.
- أهمية البحث تُعبّر عن القيمة المضافة التي يقدمها البحث للمجتمع أو للمجال العلمي.
بمعنى آخر، الأهداف تُركز على "ماذا"، بينما الأهمية تُعنى بـ "لماذا".
ما أهمية أهداف البحث العلمي بالنسبة للتقييم في رسائل الماجستير والدكتوراه؟
تُعد أهداف البحث من المؤشرات الرئيسة التي يُقيَّم من خلالها العمل العلمي، ومن أبرز ما يتم النظر إليه في التقييم:
- مدى وضوح الأهداف ودقتها.
- انسجام الأهداف مع مشكلة الدراسة.
- قابلية الأهداف للقياس والتطبيق.
- مدى تحقق الأهداف في نتائج الدراسة.
كما أن وجود أهداف واضحة يسهل على المحكمين تتبع منطقية الدراسة وارتباط عناصرها المختلفة ببعضها البعض.
الخاتمة
إن صياغة أهداف البحث بطريقة علمية سليمة تُعد حجر الأساس لأي دراسة ناجحة، ولا سيما في المجال التربوي الذي يعتمد على الوضوح والدقة في تناول القضايا التعليمية. وعلى طلاب الدراسات العليا أن يولوا هذه المرحلة أهمية قصوى، لما لها من دور في تحديد مسار البحث وضمان تحقيق نتائجه بشكل علمي وفعّال. كما أن إدراك الفرق بين الأهداف والأهمية، والقدرة على صياغتهما بلغة بحثية صحيحة، يُعدّ من المهارات البحثية التي تميز الباحث الجاد عن غيره.