📁 المقالات الحديثة

مفهوم النظرية المجذرة في البحث العلمي

النظرية المجذرة في البحث
اكتسبت النظرية المجذرة في البحث العلمي بالآونة الأخيـرة شعبية بيـن مناهج دراسـات العلوم الإداريـة نظراً لقدرتها على توفيـر أوصاف وتحليل وموضوعات معقدة من واقع المنظمات؛ غيـر أن الباحثيـن وخصوصا المبتدئيـن، قد يواجهون عقبات مختلفة في تطبيق منهجيات النظرية المـجـذرة؛ فبالرغم من أنـه نوقش الكثيـر منها، وخـاصـةً في أدبيات دراسات العلوم الإدارية باللغة الإنجليـزية، فإن هذه المناقشات قد لا تـزال تـربك الباحث.
دعونا من خلال المقال الحالي التعمق أكثر في فهم النظرية المجذرة في البحث العلمي وأهميتها وأساسياتها

ما هي النظرية المجذرة؟

البعض يفسر النظرية المجذرة بأنها إطار نظري يهدف إلى تفسير ظاهرة معينة، ويتم الوصول إليه من خلال جمع البيانات والتعامل معها بشكل منظم خلال عملية البحث. تعتمد هذه النظرية أساسًا على المفاهيم المستمدة من البيانات. 
تُعد النظرية المجذرة إحدى طرق البحوث النوعية، حيث تعتمد على مجموعة من الإجراءات المنظمة لتطوير نظرية جديدة بأسلوب استقرائي حول ظاهرة معينة. من أبرز المفاهيم المتعلقة بهذه النظرية هو "الاستقراء"، الذي يشير إلى عملية تحليل البيانات التي تم جمعها بطريقة مباشرة ومنظمة ومنتظمة بهدف الوصول إلى النظرية.

نشأة النظرية المجذرة:

تم تطوير النظرية المجذرة على يد عالمي الاجتماع بارني جلاسر وأنسيلم شتراوس (Glaser and Strauss)، حيث قدما هذا المفهوم في كتابهما "اكتشاف النظرية المجذرة" (Discovery of Grounded Theory) عام 1967، ونشأت هذه المنهجية من خلفيات بحثية وفلسفية مختلفة، مما يُعد أحد أبرز نقاط قوتها. 
كان شتراوس ينتمي إلى المدرسة النوعية التي ازدهرت في شيكاغو، وتأثر بالمدرسة التفاعلية الرمزية، مما أسهم في تطوير منهجية النظرية المجذرة من خلال الحاجة إلى النزول إلى الميدان والتعرف على الواقع كما هو، بالإضافة إلى الربط بين الأوضاع، والدوافع، والأفعال، والدور الفاعل للأفراد في بناء الواقع وتشكيله.
من ناحية أخرى، جاء جلاسر من المدرسة الكمية في جامعة كولومبيا، وكان من أبرز إسهاماته في هذه المنهجية إدخال الدقة والحرص على الوصول إلى مستوى عالٍ من التنظيم والتحليل المنهجي للبيانات.

كيفية بناء النظرية المجذرة؟

عند بناء النظرية المجذرة، يجب أن تتوفر فيها أربعة معايير أساسية:
  1. المطابقة والتوافق: ينبغي أن تكون النظرية صادقة وتعكس بدقة ما لاحظه الباحث في الواقع المرتبط بالظاهرة المدروسة.
  2. الفهم: يجب أن تكون النظرية شاملة وقابلة للاستيعاب، بحيث تتميز بمستوى عالٍ من التجريد.
  3. العمومية: يجب أن تبدو النظرية منطقية ومفهومة لكل من الباحث والمشاركين في البحث.
  4. الضبط: ينبغي أن تحتوي النظرية على مستوى من التحكم فيما يتعلق بالفعل أو السلوك المحتمل أن يحدث في سياق الظاهرة المدروسة.

هل تعتبر النظرية المجذرة طريقة علمية؟

نعم، فقد تم تصميم النظرية المجذرة وفق إجراءات ومعايير دقيقة، من بينها:
  1. مطابقة النظرية للملاحظات.
  2. القابلية للتعميم.
  3. الثبات أو إمكانية إعادة إنتاج النتائج.
  4. الدقة.
  5. الصرامة.
  6. إمكانية التحقق من صحتها.
لذلك، من الضروري تفسير هذه المعايير وتوضيحها بشكل شامل عند تقديم مدخل للنظرية المجذرة.

دقة البحوث في منهج النظرية المجذرة:

يتم الحكم على دقة النظرية من خلال استكشاف الأسباب الجوهرية التي تُوضح العلاقات بين المفاهيم، ومن ثم الفئات عند اكتشاف واختبار هذه المفاهيم، حيث يتم ذلك عبر تقديم عرض تفصيلي للبيانات الأساسية، مما ينقل القارئ من مجرد قارئ عابر إلى مشارك يعيش تجربة الظاهرة المدروسة بكل حواسه، وذلك بشكل منطقي ومنظم.

يمكنك التعرف أيضًا على المنهج الوصفي في البحث العلمي

الحساسية النظرية كأحد مفاهيم النظرية المجذرة:

يرتبط هذا المصطلح بشكل وثيق بالنظرية المجذرة، وهو مأخوذ من عنوان كتاب جلاسر حول هذا النهج أو المدخل، ويتطلب هذا المصطلح الوعي الدقيق بالتفاصيل المتعلقة بالبيانات، وهو ما يختلف بين الباحثين بناءً على مدى قراءاتهم المتعلقة بموضوع الدراسة وخبراتهم العملية المرتبطة به. وبالتالي، تشير "الحساسية النظرية" إلى عدة جوانب، منها:
  1. وضوح الرؤية.
  2. القدرة على تقديم تفسير للبيانات.
  3. الفهم الشامل.
  4. القدرة على التمييز بين الأمور ذات الصلة الوثيقة بالموضوع وتلك التي ليست ذات صلة.
بتعريف إجرائي، تشير الحساسية النظرية إلى قدرة الباحث على تحليل البيانات بأسلوب يقوده إلى تطوير نظرية بثبات وثقة، إذ يتطلب ذلك تفاعلاً مستمراً مع عملية جمع البيانات وتحليلها، واتخاذ قرارات وأحكام حول النتائج التي قد تساعده في بناء نظرية تفسر الظاهرة قيد الدراسة.

مصادر الحساسية النظرية:

  1. الأدبيات المتخصصة: تتطلب الإلمام بالنظريات وطرق بنائها، بالإضافة إلى البحوث والوثائق ذات الصلة بمختلف أنواعها. يمنح هذا الباحث خلفية معرفية غنية تجعله حساساً وواعياً تجاه الظاهرة التي يدرسها.
  2. التجربة والخبرة المهنية: خاصة إذا كان الباحث قد عمل في المجال الذي تنتمي إليه الظاهرة المدروسة.
  3. التجربة الشخصية: مثل تجربة التعلم، التي تتيح للمحلل إجراء مقارنات تسهم في توليد مفاهيم جديدة ترتبط بالظاهرة قيد الدراسة.
لا تتخطى مقال جامع يتضمن أهم أساسيات البحث العلمي

علاقة النظرية المجذرة في البحث بالإبداع:

أثناء اتباع الباحث لإجراءات النظرية المجذرة، قد يجد نفسه يبتكر نظرية جديدة بدلاً من إعادة صياغة النظرية الأصلية، إذ يعتبر هذا جزءاً من الإبداع، حيث يتمكن الباحث من تسمية وتصنيف الفئات بحرية، ويتيح لعقله التفكير والتأمل في العلاقات والروابط بين هذه الفئات، بالإضافة إلى تحديد الأسباب والنتائج المرتبطة عندما تتضح من خلال البيانات.
رغم أن الإبداع ضروري لتطوير نظرية فعّالة، يجب على الباحث أن يتأكد من مصداقية الفئات والعلاقات التي توصل إليها من خلال العملية البحثية الشاملة.

ما هي المتطلبات اللازمة لمدخل النظرية المجذرة؟

الدراسة الفاحصة: وليست مجرد قراءة سطحية، تعزز قوة النظرية وتجعلها تمثيلاً دقيقاً للواقع. اتباع الإجراءات الصحيحة التي تتمثل في:
  1. مرحلة تحديد المشكلة: تعتبر هذه المرحلة الأهم في منهجية النظرية المجذرة، حيث يتعين على الباحث التعرف على المشكلة من خلال القراءة المكثفة، الاطلاع، جمع البيانات وتصنيفها حول الظاهرة أو المشكلة المدروسة.
  2. مرحلة جمع البيانات: يجمع الباحث البيانات باستخدام أدوات البحث مثل دراسة الوثائق والمستندات، وقد تستغرق هذه المرحلة وقتًا طويلاً بناءً على طبيعة البحث، ويقوم الباحث في هذه الأثناء بتدوين ملاحظاته.
  3. مرحلة تحليل البيانات: يتم تحليل الملاحظات التي تم جمعها بشكل نصي بهدف استخراج الرموز، ومن ثم مقارنتها ببعضها لتحديد الأنماط والروابط، وهي عملية سنتعرف عليها لاحقاً.
  4. المرونة: يحتاج الباحث إلى التحلي بالمرونة لتكييف هذه الإجراءات مع الظواهر والأوضاع البحثية المختلفة.
  5. الإبداع والابتكار: يعد الإبداع أمرًا ضروريًا لتطوير نظرية فعالة ومرنة.
إذا كنت ترغب في الاستزادة نقدم لك مقال عن مناهج البحث العلمي
تعليقات