مراحل صياغة مشكلة البحث بطريقة علمية مميزة
صياغة مشكلة البحث بطريقة عليمة مميزة تُعدُّ خطوةً جوهرية في عملية البحث العلمي، إذ تمثل الأساس الذي يستند إليه الباحث في تحديد نطاق الدراسة وأهدافها، إذ تنطوي هذه العملية على عددٍ من المراحل العلمية التي تتطلب التفكير النقدي والتحليل الدقيق؛ ففي البداية، يقوم الباحث بتحديد الظاهرة أو القضية التي تستحق الدراسة بناءً على فجوة معرفية أو مشكلة عملية لم يتم حلها؛ وبعد ذلك، يتم صياغة السؤال البحثي بشكل واضح ودقيق، إذ يعكس طبيعة المشكلة ويحدد متغيراتها الأساسية. دعونا نتعرف على المزيد حول مراحل صياغة مشكلة البحث بطريقة مميزة في 5 مراحل فقط
مفهوم المشكلة البحثية وأهمية تحديدها:
يُعَدُّ اختيار مشكلة البحث من أهم المراحل في تصميم البحوث العلمية، حيث تبرز أهمية هذه المرحلة في تأثيرها الكبير على جميع إجراءات البحث وخطواته.
المشكلة البحثية هي التي ترسم للباحث مسار الدراسة، وتحدد نوع المنهج المستخدم وطبيعة الأدوات اللازمة، بالإضافة إلى نوع البيانات التي يجب جمعها، والفروض والمفاهيم التي ينبغي تحديدها بدقة، وكذلك العينة الواجب اختيارها.
لتوضيح هذه الأهمية، قام عدد من الباحثين بتقديم مفاهيم متنوعة حول كيفية صياغة مشكلة البحث بشكل علمي دقيق.
ما هي مشكلة البحث؟:
يتفق الباحثون على أن الإشكالية تمثل مسألة أو ظاهرة غامضة تشغل ذهن الباحثين وتحتاج إلى حل أو إجابة، وتُصاغ عادةً في شكل سؤال رئيسي تتبعه أسئلة فرعية تحدد إطار العنوان ومتغيراته، وتستلزم الإشكالية خبرة معرفية وتراكمات علمية سابقة لتحديدها بدقة. ومصطلح "المشكلة" يُعد ترجمة للكلمة الإنجليزية "Problem" والفرنسية "Problème"، وله نظائر في لغات أخرى، ويُترجم أحيانًا إلى "مسألة" في الرياضيات و"قضية" في السياسة والقانون، لكن في مجال البحث الاجتماعي يُستخدم اصطلاح "المشكلة" بشكل شائع بين الباحثين.
يمكن تعرف مشكلة البحث على أنها موقف أو قضية أو فكرة أو مفهوم يحتاج إلى البحث والدراسة العلمية لفهم مقدماته وبناء العلاقات بين عناصره ونتائجه الحالية، وإعادة صياغته بناءً على نتائج الدراسة ووضعه في الإطار العلمي الصحيح.
أهمية صياغة مشكلة البحث بطريقة علمية مميزة:
لا شك أن الباحثين، وخاصة المبتدئين، يواجهون حيرة عند اختيار وصياغة مشكلة البحث بسبب نقص الخبرة والمعرفة، فالعديد من الظواهر الإنسانية والاجتماعية يكتنفها الغموض، حيث غالبًا ما تبدأ المواقف الغامضة بمشكلة، وكل موقف غير محدد تؤثر فيه متغيرات تمس حياة الأفراد أو الجماعات يُعد تعبيرًا عن مشكلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تعبر صياغة المشكلة عن مضمون المشكلة ومجالها والمعايير المعتمدة في صياغتها، ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً: معرفة الفرق بين مجال المشكلة وموضوعها:
- يجب على الباحث أن يميز بين مجال المشكلة وموضوع المشكلة. مجال المشكلة هو الأوسع والأشمل، ويشكل الأساس لتحديد المشكلة بدقة.
- تبدأ الخطوة الأولى بتحديد المجال العام للمشكلة، الذي يرتبط بخبرة الباحث وتخصصه واهتماماته؛ على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يختار مجالًا مثل التلفزيون أو صحافة الأطفال أو تكنولوجيا الاتصال؛ بعد ذلك، يُضيق المجال العام لتحديد موضوع المشكلة بشكل أكثر تحديدًا، مع مراعاة عدم الإفراط في تضييق نطاق البحث.
ثانياً: أن تصاغ المشكلة بعبارات لفظية تقديرية:
إذا كان البحث يهدف إلى دراسة العلاقة بين متغيرين، مثل "الإعلام وتنشئة الطفل"، فمن الأفضل صياغة المشكلة على شكل سؤال أو أكثر لتوضيح العلاقة بين المتغيرين، وهذا السؤال يلخص أهداف البحث، مثل: "ما هي اتجاهات المرأة المثقفة نحو برامج المرأة المتخصصة في الفضائيات العربية؟".
يجب أن يسبق العرض الموجز للمشكلة، سواء كان جملة تقريرية أو سؤالًا رئيسيًا، أهداف الدراسة التي يسعى الباحث لتحقيقها.
ثالثاً: اللجوء إلى معايير عدة عند صياغة المشكلة:
وتتمثل في التالي:
- الوضوح والدقة: يجب أن تكون صياغة المشكلة واضحة ودقيقة، مثل "نمو الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي".
- تجنب الإطالة: ينبغي أن تكون صياغة المشكلة مختصرة ومباشرة، وتحدد الهدف بدقة على شكل سؤال بحثي.
- تحديد العنوان: يجب أن يعبر العنوان بوضوح عن مشكلة البحث ويشير بشكل محدد إليها، مثل: "دور ألعاب الفيديو في تنمية ذكاء الطفل: دراسة ميدانية في مدرسة أجيال" أو "أثر الإنترنت على تغير القيم داخل الأسرة الجزائرية: دراسة ميدانية".
- اتباع القواعد: ينبغي بناء عنوان المشكلة وفقًا للقواعد اللغوية والمنهجية، مع تجنب تأخير العناصر أو المتغيرات الفاعلة عن غيرها.
- تفصيل العنوان: يجب الفصل بين ما يشير إلى العلاقات أو الأداء أو المجالات في العنوان.
- تخليص العنوان: إزالة الإشارات الزائدة التي توضح المعنى والأسلوب أو استخدام الأدوات والعينات.
نصائح عن تحديد مشكلة البحث:
- تحديد مشكلة البحث لا يقتصر على صياغتها كسؤال فقط، بل يتطلب أيضًا ضبط المصطلحات المستخدمة في السؤال. يجب على الباحث تحديد المعنى الإجرائي لكل مصطلح، حيث يمكن أن يكون لكل مصطلح أكثر من معنى اصطلاحي، إلى جانب معناه العام. هذه الخطوة أساسية لتحديد موضوع البحث بدقة.
- تنبع أهمية تحديد المشكلة من تأثيرها الكبير على باقي خطوات البحث، مثل اختيار المنهج والأدوات المناسبة، فالعديد من الأبحاث تُهدم بعد إتمامها بسبب ضعف الإشكالية أو عدم وضوحها؛ لذا، فإن نجاح الباحث في تحديد مشكلته بدقة يساهم في نجاح بحثه.
مقال جيد يتضمن كافة عناصر خطة البحث العلمي
نموذج لصياغة مشكلة البحث:
دراسة حالة: "صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الصحافة العربية بعد حرب الخليج الثالثة"
تتمثل المشكلة البحثية في تحديد وتعريف صورة الولايات المتحدة الأمريكية كما تظهر في الصحافة العراقية خلال عام 2004، واستكشاف مدى اختلاف هذه الصورة بين الصحف القومية، الصحف الحزبية، والصحف الحكومية. يمكن أن تساهم هذه المشكلة في تقديم نظرة شاملة على:
المشكلة البحثية الرئيسية: توضيح صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الصحافة العراقية.
العناصر الفرعية للمشكلة البحثية تشمل:
- كيف يتم تصوير الولايات المتحدة الأمريكية في الصحافة القومية؟
- كيف يتم تصوير الولايات المتحدة الأمريكية في الصحافة الحزبية؟
- كيف يتم تصوير الولايات المتحدة الأمريكية في الصحافة الحكومية؟
- هل توجد اختلافات بين الصحف القومية والحزبية والحكومية في تصوير الولايات المتحدة الأمريكية؟
- ما هي مصادر تصوير الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الصحف الثلاثة؟
تعمل هذه العناصر على استكشاف الفروق والتباينات في تصوير الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديد مصادر هذا التصوير في الصحف المختلفة.
اطلع على مقال مفصل لجميع خطوات البحث العلمي
مرجعية المقال:
بوسنان، رقية. (د.ت). مشكلة البحث المفهوم، الصياغة، الخصائص. مجلة الباحث العلمي، (39)، 77-94.